السبت، 14 مارس 2009

سلسلة أمهات المؤمنين //الجزء الثالث : عائشة بنت الصديق رضي الله عنها-3


في بيت عائشة :

لم تكن حجرة أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها – فاخرة

الأثاث وال مزخرفة بالنقوش , كما أنها لم تكن تحوي الأموال

والذهب , ولكنها كانت خالية من أي ترف أو بذخ أو حتى أبسط

شكل من أشكال التنعم , فقد كانت – رضي الله عنها – تحكي عن

فراشها وفراش زوجها فتقول :

(( إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه

أَدَمًا , حشوه ليف )) والأدَم هو الجلد .

حتى إن النساء كنَّ يلمنَ أنفسهنّ على الحزن على أي شيء من متاع

الدنيا حين يتذكرن حال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .

دخلت امرأةٌ من الأنصار على أختها فوجدتها غاضبة من قلة مَال

زوجها وضيق ذات يده , وتشكو معيشتَها وعند زوجِها راحلتان

وتجارة رابحة , فقالت لها :

-اتق الله يا أختي , فوالله لقد رأيت حجرةَ السيدةِ عائشةَ أم المؤمنين

ولم يكن فيها أثاث إلا فِراشًا واحدًا لها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم .

-ما لنا ولأمهات المؤمنين , نحن لا نقدر على ما قدرن عليه !!

-بل إِنهنّ قدوتنا , فالمرأة التي آمنت بالله ربًّا , ورضيت بالإسلام

دينًا , وبالنبي صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً , لا ينبغي لها بحال

من الأحوال , أن تنظر لما عليه حال أهل الدنيا , من البذخ والترف

والشبع الذي يشغل الجوارح عن ذكر الله , فإن النفس إذا شبعت

بطرت , لقد دخلت ابنة عمك على عائشة أم المؤمنين – رضي الله

عنها – فرأت فراشها البسيط , فخرجت من عندها آسفة , وبعثت لها

بفراش أكثر ليونة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة

فوجده فقال لها متعجبًا :

-ما هذا يا عائشة ؟

-يا رسول الله إن فلانة من الأنصار دخلت فرأت فراشك فذهبت

فبعثت إليَّ بهذا .

-رُديه يا عائشة
.
-ولمَ يا رسول الله وقد وسّع الله علينا من فضله ؟!!

-يا عائشة , (( والله لو شئتُ لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة

)) .

وكانت أم المؤمنين أم عبدالله – رضي الله عنها – تقول :

-(( كنتُ أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في

قبلته , فإذا سجد غمزني فقبضت رجليَّ , فإذا قام بسطتهما والبيوت

يومئذ ليس لها مصابيح )) .

فلتنظر نساء اليوم كيف كانت الحجرة ضيقة إلى الحد الذي يجعلها

تنام فيغمزها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقبض رجلها ليكمل

صلاته صلى الله عليه وسلم .

حجرة ليس فيها تبريد ولا تدفئة , وكانت مَهْبطًا للوحي , يضيئها

الإيمان ونور الإيمان , يشتعل ويتوهج بذكر الله , ولذا كانت تلك

الغرفة سراجًا للمؤمنين , يلتمسون طريقهم إليها ليتعلموا فقه أم

المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

أما عن طعامها فكان لا يمت للتنوع بصلة , فغذاؤها الأسودان التمر

والماء . سألها ابن أختها عبدالله بن الزبير – رضي الله عنها – عن

طعامها فقال :

ما كان طعامك يا خالة ؟

فقالت :

-يا بن أختي إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة

في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .

-يا خالة ما كن يُعيشكم ؟

-الأسودان : التمر والماء , إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه

وسلم جيران من الأنصار , وكانت لهم صنائع , وكانوا يمنحون

رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا .

يا بن أختي ’ لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي

شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي , فأكلت منه حتى

طال عليَّ فكلته ففني .

وربما اشتد الأمر بأمهات المؤمنين فشكون لزوجهنَّ صلى الله عليه

وسلم فغضب منهنَّ حتى اعتزلهن , فأنزل الله تعالى آيات من سورة

الأحزاب يخير فيها أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بينه وبين متع

الحياة

: ( يا أيها النبي قل لأزواجك أن كنتنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وزينتها

فتعالين أمتعكن وأسرِّحكن سراحاً جميلاً ( 28 ) وإن كنتن تردن الله

ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعدَّ للمحسنات منكن أجرا عظيما ) .

واختارت السيدة عائشة هذه الحياة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

سعادة ورضا فقد دخل عليها صلى الله عليه وسلم ذات يوم قائلا :

-إني ذاكر لك أمرا فلا عليك حتى تستأمري أبويك

ثم تلا عليها الآيات السابقة ؟ فقالت :

أفي هذا أستأمر أبويَّ ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة .

والسيدة عائشة عاشت تلك المعيشة وهي محبة لها ما دامت الى

جوار زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وطالما اشتاقت لها

بعد وفاته صلى الله عليه وسلم , عاشت حياة الإيمان بكل ما تحويه

من معانٍ , كانت تجاهد في سبيل الله , وكانت تدافع عن دينها ,

وكانت تتعلم منه صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى لقد كان كبار

الصحابة يسألونها في أمور دينهم وأقوال نبيّهم صلى الله عليه وسلم .

يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Template by:
Free Blog Templates